کد مطلب:335744 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:257

الدعوة إلی اتباع قبلة الرسالة الخاتمة
عندما بعث النبی الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم، كان الاختلاف بین الیهود علی تحدید

القبلة اختلافا ثابتا لا شك فیه، ونسیانهم للجبل المقدس الذی یجب أن یتوجهوا إلیه، نسیان مسطور فی ما بین أیدیهم من كتاب، قال أشعیا وهو یحذرهم بأن الرب قال لهم: " أما أنتم الذین تركوا الرب ونسوا جبلا قدسیا فإنی أعینكم للسیف " [1] . وهذا النسیان تری معالمه علی التوراتین: السامریة

والعبریة، فبینما تقول التوراة السامریة: إن القبلة فی اتجاه جبل جرزیم، تقول التوراة العبرانیة: إنها فی اتجاه جبل عیبال، والمسیح علیه السلام شهد بوجود هذا الاختلاف فی عهد بعثته، وبشرهم بأن العبادة لن تكون فی المستقبل لا فی اتجاه هذا الجبل ولا فی اتجاه أورشالیم، وذلك لأن الله سینزع من أیدیهم القیادة ویسلمها إلی شعب آخر [2] . وما ذكره المسیح علیه السلام

بخصوص القبلة، جاء عندما كان متوجها إلی أورشالیم، فقالت له امرأة سامریة: " یا سیدی، أری أنك نبی، آباؤنا سجدوا فی هذا الجبل، وأنتم تقولون: إن فی أورشالیم الموضع الذی ینبغی أن یسجد فیه، فأجابها یسوع: صدقینی یا امرأة ستأتی الساعة التی فیها تعبدون الأب لا فی هذا الجبل ولا فی أورشالیم [3] . وقبل البعثة الخاتمة، لم یكن فی أورشالیم هیكل بعد أن

دمر الإمبراطور تیطس آخر هیكل عام 70 م، ولم یكن فی أورشالیم حاخامیة للیهود بعد أن ألغی الإمبراطور ثیودوسیوس الحاخامیة عام 435 م، وترتب علی ذلك تفرق الیهود فی الأرض..



[ صفحه 12]



ولما كانت الدعوة الإلهیة المتوجهة إلی بنی إسرائیل قد نزل علیها الستار بعد بعثة عیسی علیه السلام، لأنه آخر أنبیاء بنی إسرائیل علیهم السلام، ولما كان عیسی علیه السلام یسجد لله فی اتجاه أورشالیم، ولما كانت الدعوة الإلهیة اللاحقة تبدأ من حیث انتهت الدعوة الإلهیة التی سبقتها، باعتبار أن الدعوة الإلهیة للناس - منذ ذرأ الله ذریة آدم - دعوة واحدة، صراطها واحد، وغایاتها واحدة، فتبدأ دعوة اللاحق من الرسل من حیث انتهت دعوة السابق منهم ثم یفعل الله ما یشاء ویحكم ما یرید، ویكلف عباده بما شاء وینسخ ما یشاء، لأنه - تعالی - له الحكمة التامة والحجة البالغة فی جمیع ذلك، ولما كان أهل الكتاب یعلمون من كتب أنبیائهم أن الدعوة الخاتمة لها صفات خاصة بها، وأنها ستبین لهم ولغیرهم الاتجاه الذی یجب أن یسجد الناس نحوه، فإن الله - تعالی - عندما بعث رسوله الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم، أمره بالتوجه إلی قبلة بیت المقدس، والمعنی الذی یستشف من هذا الحدث هو أن الدعوة الإلهیة دعوة واحدة، وأن الحلقات فیها ترتبط بعضها ببعض، وتحت هذا السقف تقام الحجة علی الذین اختلفوا فی الدین والذین جعلوا الدین دینا خاصا بهم، تحت هذا السقف ینظر الله إلی عباده كیف یعملون، ومن یتبع الرسول ممن ینقلب علی عقبیه. وعند ما كانت القبلة فی اتجاه بیت المقدس، تدبر فی الأحداث الذین یعرفون الحق ومعارف الدین، والزهاد من أهل الكتاب، وأصغوا لصوت الحق، وتكاتم البعض ذلك بینهم حسدا وكفرا وعنادا، وانطلقوا یصدون عن سبیل الله، وبعد أن أقامت الدعوة حجتها علی بنی إسرائیل فی هذا الأمر، أمر - تعالی - رسوله صلی الله علیه وآله وسلم بأن یولی وجهه شطر المسجد الحرام بمكة، وأخبره بأن أهل الكتاب یعلمون أنه الحق من ربهم، قال تعالی: (سیقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التی كانوا علیها قل لله المشرق والمغرب یهدی من یشاء إلی صراط مستقیم، وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علی الناس ویكون الرسول علیكم شهیدا وما جعلنا القبلة التی كنت علیها إلا



[ صفحه 13]



لنعلم من یتبع الرسول ممن ینقلب علی عقبیه) إلی قوله تعالی: (قد نری تقلب وجهك فی السماء فلنولینك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحیث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذین أوتوا الكتاب لیعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما یعملون، ولئن أتیت الذین أوتوا الكتاب بكل آیة ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض) [البقرة 142 - 145]، قال المفسرون: والمعنی: إنما شرعنا لك یا محمد أولا التوجه إلی بیت المقدس، ثم صرفناك عنه إلی الكعبة لیظهر حال من یتبعك ویطیعك ویستقبل معك حیثما توجهت، ممن ینقلب علی عقبیه، وإن كان صرف التوجه عن بیت المقدس إلی الكعبة لأمرا عظیما فی النفوس، إلا علی الذین هدی الله قلوبهم، فأیقنوا بتصدیق الرسول، بأن كل ما جاء به هو الحق الذی لا مریة فیه، وبأن الله یفعل ما یشاء ویحكم ما یرید وله - تعالی - أن یكلف عباده بما شاء وینسخ ما یشاء، وهذا بخلاف ما یقوله الذین فی قلوبهم مرض، فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكا، ثم أخبره - تعالی - بأن صلاتهم إلی بیت المقدس لن یضیع ثوابها عند الله، وأمره - تعالی - بأن یولی وجهه شطر المسجد الحرام، وأخبره أن الذین أوتوا الكتاب یعلمون أن الله سیوجهه إلی هذه القبلة، مما فی كتبهم عن أنبیائهم من النعت والصفة لرسوله الخاتم صلی الله علیه وآله وسلم، وما خصه الله - تعالی - به وشرفه من الشریعة الكاملة العظیمة، ولكن أهل الكتاب یتكاتمون ذلك بینهم حسدا وكفرا وعنادا، وأخبر - تعالی - أن الرسول لو أقام علیهم كل دلیل علی صحة ما جاءهم به، لما اتبعوا قبلته كفرا وعنادا، وأنه لن یتبع قبلتهم لأن ذلك عن أمر الله تعالی، له الحكمة التامة والحجة البالغة، ثم أشار - تعالی - إلی اختلافهم فی ما بینهم فی تحدید قبلتهم القدیمة، وهو قوله: (وما بعضهم بتابع قبلة بعض)، وأمره - تعالی - أن یستمسك بأمر الله ولا یتبع أهواءهم فی جمیع أحواله، وقال - جل شأنه -: (ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمین، الذین آتیناهم الكتاب یعرفونه كما یعرفون أبناءهم وإن فریقا منهم لیكتمون الحق وهم یعلمون) [البقرة 145 - 146]، والمعنی: أن علماء أهل



[ صفحه 14]



الكتاب یعرفون صحة ما جاء به الرسول، ومن ذلك توجهه شطر المسجد الحرام، كما یعرف أحدهم ولده. وبالجملة، كان التوجه إلی بیت المقدس، ثم صرف عنه إلی الكعبة، امتحانا لأهل الكتاب الذین علموا من أبنائهم أن قیادة الدعوة الإلهیة ستنتقل من بنی إسرائیل إلی بنی إسماعیل، وأن عنوان هذه الدعوة ورسولها هو النبی الخاتم محمد صلی الله علیه وآله وسلم، وكان امتحانا أیضا للذین اتبعوا النبی صلی الله علیه وآله وسلم من العرب وغیرهم، لأن صرف التوجه عن بیت المقدس سیثیر شكوك البعض، وسیغذی أهل الكتاب والذین فی قلوبهم مرض هذه الشكوك وهم یصدون عن سبیل الله، وتحت سقف هذا الامتحان ینظر الله إلی عباده كیف یعملون.


[1] أشعيا: 11 / 65.

[2] متي: 21 / 42 - 45.

[3] يوحنا: 4 / 22.